السبت، 21 فبراير 2009
ميكانو والتحدي بأن يكون أو لا يكون

قد تكون المرة الأولي منذ الثلاثينيات والأربعينيات التي يحمل فيها أفيش فيلم مصري صوراً لبطل وبطلة من غير المصريين.. وهذا يدل على أن مصر هي هوليوود الشرق فعلاً ولو كره الكارهون.. فمهما هوجمنا ليل نهار فلا شهرة لأحد إلا في مصر .. بشرط أن يكونوا فنانين حقا.. لا عارضات أزياء ولا عارضات لحوم في كليبات..
لذلك يأتي فيلم "ميكانو" كحالة ملفتة للنظر من عدة وجوه.. أغربها وأطرفها معا أن البطل السوري تيم حسن الذي يمثل في السينما المصرية لأول مرة جاء بديلاً عن شريف منير بعد أن حقق شهرة واسعة بدور الملك فاروق.. والبطلة اللبنانية نور جاءت بسبب عدم التزام منة شلبي التي صرخت في أول يوم تصوير " أنا نجمة النجوم"
فطار منها الدور وحط على غيرها والأكثر التزاما..!!
وهي إشارات واضحة ومهمة لمن يريد أن ينجح أو يحافظ على نجاحه.. أما النص فكتبه مؤلف جديد هو وائل حمدي .. والإخراج لمخرج جديد أيضا هو محمود كامل وهكذا يضع الفيلم نفسه في تحد غير مسبوق للجميع لأن يكون أو لا يكون.. والكينونة أيضا لابد وأن تؤدي وظيفتها الفنية والفكرية.. وأن تكون ممتعة للمشاهدين..

وهو ما حاوله الفيلم منذ بنائه الدرامي الأساسي الذي أعتمد علي مشكلة مرضية ونفسية غريبة.. وكذا في بناء شخصياته الثلاث الرئيسية والتي نعيش معها طوال الوقت.. المريض وشقيقة والحبيبة.. أولهم المهندس الشاب خالد "تيم حسن" الذي أجرى جراحة في المخ في صباه لإنقاذه من ورم سرطاني تركت أثرها على ذاكرته التي يفقدها بالكامل كل فترة , وهي النواة التي أقام عليها الفيلم أحداثه.. ومع ذلك هو يحقق نجاحا واضحاً في مجال عمله كمصمم معماري.. وقد حرص المخرج على إبراز أن يكون التصميم المعماري هو هوايته وعمله وهو لعبه ومرحه أيضا.. فكما هو مصمم معماري مميز هو أيضا مبتكر ماهر للتصميمات من خلال لعبة الميكانو.. وهذا الأمر منح الفيلم مصداقية كبيرة لشخصية فاقد الذاكرة.. لأن مهنته مرتبطة بتسليته الوحيدة في الحياة وتعلقه بها هو التعلق بالحياة ذاتها..!!
وقد أحسن الممثل في أدائها بهذا الربط المغري لخروج الشخصية من إطارها النمطي الذي يوحي بالجنون أو الخرف العقلي..
أما الشخصية الثانية فهي لشقيقه وليد "خالد الصاوي" وهو مهندس أيضا.. لذلك بدا لنا في مناورة فنية أجادها الصاوي ببراعة أنه يستغل شقيقه الأكثر موهبة من أجل الثراء المادي.. خاصة في تفاصيل حياته البوهيمية .. قيادة الموتوسيكل والسهر للفجر مع صديقاته.. حتى يثبت لنا قبيل نهاية الأحداث انه يحبه بالفعل ويخشى عليه من التعامل مع الناس حتى لا يكتشفون بسهولة حالته ويسخرون منه..!!

ولكن الشاب المريض كان في حاجة لقصة حب تحرك له مشاعره.. وتعيده إلى الحياة من جديد.. وهو ما تحقق له بظهور أميرة "نور" التي تتعلق به وتحاول إحياء ما توارى بداخله من مشاعر رومانسية يخفيها المرض والعمل المتواصل – وهي الهواية – الذي اعتاد عليه.. فيجد نفسه في أفضل حالاته الإنسانية.. إلى أن يفقد ذاكرته مرة أخرى.. فتحاول الحبيبة أن تبدأ معه من جديد بمعاونة الشقيق مثل "اللعبة العمل".. أو الميكانو الذي يشده ويهده ثم يعيد بناءه من جديد..!!

وهناك شخصيات أخرى تلتقي مع نفس الحدث ولكن تلعب لحسابها لتوكيد المعني السامي.. منها طليق البطلة "خالد محمود" أو المعادل المادي للموضوع والذي لا يرى غير ما يريده.. وقد لعبها الممثل بفهم ووعي شديدين.. حتى عندما حاول أن يقلد الرومانسيين بإهداء الزهور حسبها بالثمن..!!
وكذلك سمير عبد العزيز ورشا مهدي ولطفي لبيب ورءوف مصطفى..

وقد قدم المخرج الجديد تنسيقاً بصرياً معيناً يلائم ويدعم به الموقف الدرامي.. مثل اختياراته لـ اللقطة القريبة أو "الكلوزات" في معظم كادراته كي يعطي الفرصة لتأمل الفعل ورد الفعل أكثر.. وكذلك في خطته اللونية في بعض المشاهد وأخفقت في أخرى.. إلا أن اختياره للممثلين ولو كان اضطراريا وإدارته لهم كانت جيدة
وكذلك أغنية أصالة "نص حالة"..!! ورغم شبهة اقتباس الموضوع من عدة أفلام أمريكية منها فيلم آدم ساندلر وفيلم داستن هوفمان وتوم كروز.. إلا أن موضوع فقد الذاكرة ستجده في العديد من التيمات .. ليبقي المهم هو التناول.. والذي قدم هنا بشكل ناعم.. نفتقده كثيرا في هذه الأيام الصاخبة..!!

قلم / محمد صلاح الدين
منقول عن الفيس بوك
salaheldin-g@hotmail.com

التسميات: