السبت، 21 مارس 2009
ماما نونة


من أكثر الشخصيات التي حازت على حب الكبار والصغار ، خلال السنوات الأخيرة كانت شخصية ماما نونا ( أم حمادة عزو ) في مسلسل "يتربى في عزو" فهي تلك الأم التي تفيض حبا وحنانا وتعطى بلا حدود ، وتغفر لأبنها مهما كانت أخطائه وخطاياه العديدة التي لا يتعلم منها..
وفى المقابل نجد "نوال عزو" ، ابنة عم حمادة الأم الحازمة الحاصلة على الدكتوراه والتي عاشت زمنا طويلا في الخارج مع زوجها وأبنائها، وأخذت من الحياة الغربية نموذج الاستقلال ، وبعد وفاة زوجها عادت إلى مصر حيث تم تعيينها في مركز البحوث الاجتماعية وعملت على استكمال ما بدأ فيه زوجها من أبحاث تساهم في تقدم مصر ونهضتها في المجال النووي ، وهى كأم عاملة ، قامت بتربية أولادها على الاعتماد على النفس وتقسيم العمل في المنزل ، وأن لكل فرد في الأسرة دور لابد أن يقوم به..

أمومة..!

أما حمادة عزو ، الطفل – الرجل في الستين من عمره – تلك الشخصية السلبية المدللة المتحررة من كل القيود والضوابط الاجتماعية المتعارف عليها ، والذي يعيش بشكل نرجسي أناني لا يرى فيه سوى نفسه ورغباته الجامحة ، والذي يعتمد تماما على أمه التي تدعمه مادياًَ كما تبذل جهدها من أجل جمع أولاده من حوله وتحاول دائما أن تبرر لهم تخليه عنهم هذا الأبن الذي يضفى على نفسه قدرات هائلة ليست فيه مرددا قوله المأثور"حمادة يا جامد" ولذا فهو يعطى نفسه الحق في أن يفعل ما يريد وقت ما يشاء مستندا إلى حماية أمه التي تبرر له كل أخطائه ولذلك يقع فريسة لأخطائه القاتلة..
هذه الأم التي عشقها لكونها هي الصدر الحنون الدائم له ، هو أيضا الذي كان السبب في موتها ، وهذا بسبب تدليلها الزائد له ، الذي جعله يتخطى كل الحدود ، حتى وصل به الأمر إلى خيانة الوطن في سبيل الإغراء المادي الكبير الذي كان سيحل له كل مشكلاته..!!
ورغم أن أمه لم تتوقع هذه الخيانة منه ، ولم تتوقع أن يقع فريسة سهلة للخيانة المغلفة يذلك الإغواء المادي إلا أن تدليلها الزائد له كان سببا فعليا في أن يبيع وطنه في حين ترفض أبنه عمه بيع أبحاثها مهما كان الإغراء المادي الكبير، بينما لم يفكر"حمادة" في كل هذا وإنما كان كل تفكيره في ذاته وحل مشاكله المادية ولذا لم تحتمل أمه رؤيته وهو ينحدر إلى أدنى ما يمكن أن يصل إليه إنسان مما دفعها إلى ضربه كمحاولة لإفاقته والعودة إلى رشده ولكن جاء الضرب بعد فوات الآوان..

لذا فقد جاء تسامحها وتساهلها معه على مدى سنوات طويلة وتبريرها لأخطائه سببا جعله يتخطى كل الحدود الحمراء ، وبالتالي أصبح كل شيء ممكن حتى خيانة الوطن ومع موتها كانت الصدمة الشديدة التي أيقظت "حمادة عزو" من غفوته ليشعر بحجم الكارثة التي أوقعته فيها تدليلها الزائد له ، وفقد أمه التي كان يعتمد عليها في كل شيء وأي شيء ، ويبدو في المشهد المؤثر الذي وقف فيه وهو يأكل البليلة وتتساقط عليه وكأنه طفل تم فطمه للتو ، ولم يتعلم بعد الأكل وحده جيدا وكانت هذه نتيجة طبيعية لشعوره بالوحشة وفقد الأم التي كانت بالنسبة له الصدر الحنون الذي يمنحه الحماية قبل الحنان والرعاية اللازمة ، ثم ما لبث أن دخل في غيبوبة سكر ليفوق منها على واقع جديد مختلف عما اعتاد عليه وأنه بعد موت أمه قد أصبح وحيدا وعليه أن يعتمد على نفسه في الحياة ومن ثم بدأ التغيير يحدث شيئا فشيء..

علاقة مرضية !

هذين النموذجين من الأمهات والأبناء يصوران الجانب السلبي والإيجابي في تربية الأبناء حيث أن طيبة ماما نونا وحنانها وحبها الجارف لأبنها "حمادة" وهذه العلاقة المرضية بينهما قد تسببت سواء بوعي أو دون وعى منها على بقاء ابنها الوحيد حمادة الذي لا تملك سواه في إعاقة نموه النفسي واستقلاله ، لذلك ظل سلوكه مضطرب لا يتفق مع سنه وظل اعتماده بشكل شبه كامل عليها حتى تضمن بقاؤه في حضنها وعدم تركها وحيدة..
ولذلك كانت هي السبب الرئيسي وراء فشله المتكرر في الزواج ، بدء من زوجته الأولى التي كانت تنتمي إلى بيئة شعبية وافقت على زواجه منها تحت وطأة إلحاحه الشديد ولم يستمر زواجهم سوى بضعة أشهر ، ثم كان زواجه الثاني من والدة ابنه الضابط حسام والتي لم تحتمل فوضويته وعدم تحمله المسئولية ، ثم مرة ثالثة فاجأ والدته وأصدقائه وهم مجتمعون للاحتفال بعيد ميلاده الستين بزواجه من فتاة جميلة تصغره في السن والتي تزوجته طمعا في ثروته والقصر الكبير الذي يعيش فيه مع والدته ثم تركته بعد أن تمكنت بالحيلة من الاستيلاء على محل اللعب الذي كان يمتلكه والذي تمكن هو فيما بعد من استرداده بحيلة أخرى ، وهكذا يعود من جديد ليعيش في حضن أمه وابنة عمه التي عادت من الخارج مع أولادها لتقيم في القصر الذي تمتلكه وتتولى هي الإنفاق عليهم بعد ضياع ما تبقى من ثروتهم في نزوته الأخيرة..!

تفككك أسرى..!

وعلى الرغم من طيبة ماما نونا وحنانها وعطائها الغامر الذي كان يفيض على جميع أفراد عائلة عزو التي كانت نموذجا للعائلة العريقة التي مال بها الزمن إلا أنا مظاهر علامات عدم التوازن في شخصية بعض أفرادها كان سمة أساسية وهي نتيجة طبيعية للتدليل الزائد والمظهرية والتفاخر بأمجاد العائلة القديمة.. والذين كانوا يميلون له..

والمسلسل بتلك الخلطة المثيرة يطلق صيحة تحذير من إنفراد الأمهات بتربية جيل كامل من الأبناء دون الآباء ، والذي أصبحت تعانى منه غالبية الأسر المصرية حاليا حيث تتولى الأم مسئولية تربية الأبناء إما بسبب سفر الأب أو انهماكه في العمل طوال الوقت مما يجعلهم يفتقدون كيفية التعامل بخشونة مع الواقع الحياتي ويفتقدون القدوة المتمثلة في الأب واعتمادهم على الأم ورعايتها وتوجيهها لهم مما قد يؤدى إلى تعلق الطفل المرضى بالأم التي تغدق عليه من الحب والحنان وتتستر على أخطائه وتعطيه كل العذر بدلا من توجيههم في مرحلة مبكرة وتعويدهم على تحمل المسئولية والاعتماد على النفس الأمر الذي قد يتسبب مستقبلا في خلق شخصية أنانية سلبية لا تستطيع الاعتماد على نفسها وتحقيق أي نجاح سواء على مستوى حياتها الخاصة أو العملية..!

ونحن في عيد الأم نهنئ كل أم ونقدر جهدها في تربية أبنائها لكننا نتمنى أن يكون في كل أم حنان ماما نونه وحزم نوال عزو معاً..

قلم / نهال قاسم