منذ عام تقريبا كتبت مقالا بعنوان " لم لا تغسلين قدمه بماء الورد؟! “ وقامت الدنيا ولم تقعد من قِبَلِ النساء بالتأكيد! وبرغم أني لا أري في مقالي هذا أىَّ مبالغة أو تعنت لكني أقتنعُ تمامَ الاقتناع بإمكانيته وأهميته وعدم تعارضهِ مع تقدمات العصر الحديث ولا الفئات المختلفة ، لكن المقال لم يكن مباشراً إلي هذا الحد! فالماء هو منبع الحياة، والورد هو لمسات الجمال والتغيير في نمطه، أما القدم فهي فقط كناية عن الطاعة والمودة والرحمة ، بيدَ أنهُ هوجمَ أشدَّ المهاجمة من قبل الكثيرات اللاتي لم تعي مقصودي .
وفي مقالي "أنثي ولكن" في مارس2009 قامت الدنيا وأظنها لم تقعد بعد- من بعض الرجال بالتأكيد! وبرغم أنهم فئة قليلة مقارنة بعشرات التعليقات وعشرات الايميلات التي أثنت على الفكرة وأسلوب صياغتها، وبرغم أن المقال كان صريحا في كونه موجهًا فقط لفئة الرجال التي تعتدي بالقول أو الفعل على النساء في الطرقات أو بأي وسيلة أخرى..
كارل بيرسن يقول: " المعرفة تتطلب جهدا، أسهل الأمور فكريا أن نتجنب بذل الجهد بأن نقبل تعبيرات تخفي المجهول بما لا يمكن تعريفه"؛ لذا، إذا قدر لمن هاجم "أنثى ولكن" في العديد من الجرائد التي نُشِرَ بها ومنهم من نقلها من موقعي الالكتروني أو من مواقع الجرائد إلى مواقعهم كي يعلقوا بمنتهى الحرية دون أن تُحذف آراؤهم- لو قدر له معاودة قراءة المقال مرة أخرى بهدوء متمعن، فسيجد عبارات واضحة تكفي أن يعتبرها إجابات لكل علامات التعجب والاستفهام التي دارت في ذهنه..
ولأن دوام الحال من المحال فسأظل أردد بهامة مرفوعة: أنني أنثى ولكن لا أرضى لنفسي ولغيري من إناث الكون أن ينال منا أي رجل غريب، وسأكتب على جدران العالم: أن حشايا التأدب الأنثوي بداخلي استلهمتها من تعاليم ديننا ومن ثَبَجِ الشرق العربي الذي أتمني أن يعود – بكل فئاته – شرقياً كما كان.
فقد عاهدت ربي يوم أمسكت القلم أن لا أسخره للكذب والتملق ولا لخَطْبِ ود فئات معينة.. بل سكبت على حبره شيئًا من ضميري فامتزجا.. وللحظات قد يبتلع الحبر ريقه فيتوقف بعد أن ينهشه جفاف الواقع وقصف المدافع الهجومية وبعد أن يجرحه الأحبة الذين من أجلهم يكتب، لكنه حتما يعود فالحب لا يعرف حدودا أو استعلاء.. وإنما يعرف التسامح والبهاء! ذلك أن البهاء هو روح الحياة فمن لا بهاء لهم لا حياة لهم، إنهم كالأموات، ومصر بهية وأنا أعشقها..
إن القضية عندي ليست فقط رجلا أو امرأة وإنما قضية وطن يجب أن ينهضَ ويُفيقَ من إغماءته وهذا لن يحدث مادمنا نعتدي على بعضنا البعض بدلا من أن يتكاتف الشعب بكل فئاته، يرضي المولي – عز وجل – بأفعاله الظاهرة والباطنة، ويرضي ضميره بأن يؤدي عمله بصدق..
إنها قضية حب، والحب ألا ندع السوس ينخر في عظام النيل بل نعالج أصحاب النخوة العرجاء والضمائر العطبة سواء أكانوا رجالا أم إناثا، شعبا أم حكومة، عاملا أم عالما.
ربما قُدِّرَ لي الابتعاد عن مصر قليلا - حيث درست بالأزهر الشريف من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية ثم سافرت مع أسرتي للالتحاق بالجامعة هنا في إيطاليا لكني لم أهرب منها يوما ولم ولن أعتنق الغرب، ومصر تعلم أن بداخلي قلبًا يتشظى في جسدين (هي وأنا)، هي تعلم أنني أحاول رسم قنديل وفجر مضيء برغم سواد الليل حولي وحولها، وأنني كثيراً ما بكيت فـ بللت حنجرتها! بكيت منها ولها وعليها..ومع هذا مازلت ألوِّن اللافتات البيض بدماء عشقي لها.
وإنما ضربت مثلا طيبا وهو حقيقة قائمة بالفعل – فمن عاش في الغرب يدركها جيداً – وهي أنه لا توجد معاكسات في الشوارع؛ أي وددت أن يستحي الرجل العربي المسلم الذي يفعل ما يستحي الرجل الغربي من فعله.
إننا بشر، نفعل الصواب تارة والخطأ تارة - هكذا خلقنا المولى وعز جل – والله عز وجل يقول في كتابه الحكيم:
"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكََّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" صدق الله العظيم.
والحكمة القديمة تقول: "كلما أكثرنا من ارتكاب الأخطاء في الحياة، أكثرنا من إعطاء الدروس لنا وللآخرين".
ولن أخفيكم سرا، إن التعليقات الهجومية - على (أنثي ولكن)- دفعتني للبكاء عليهم وللصراخ بصمت في أعماقي وأنا أردد: "لمَ لا نبقى بلا أدران وذنوب؟! لماذا يصر البعض على السفر صوب دروب الضياع الخلقي واللاإنساني؟! ثم لماذا نجني صفعات وندوبًا إذا قلنا الصدق لنكشف الحقائق أمام الشمس فتندمل جراح مشكلاتنا!
وإذا تحدثنا تحديدا عن مشكلة الأنثى بوجه عام، فـ"غالبا" هي ليست بحاجة لأن تكشف – مثلا - عن كونها ضعيفة وتحتاج دوما لأن تستر ضعفها هذا في قوة الرجل سواء أكان والدها أم أخاها أم زوجها أم ابنها ..
كتبت غالبا لأن بعض الإناث تشارك بقوة في المأساة ومعظم المشكلات (وقد أشرت إلى هذا من قبل في مقال (أنثي ولكن).
أنا شخصيا تجرحني جدا مجرد الأخطاء الصغيرة من أي رجل تجاهي! ذلك أنني أقدر الرجل وأنحني له إجلالا واحتراما مادام يعاملني بالقدر الذي يليق بي. وما كان مقالي السابق إلا لأني أريد للرجل العربي أن يعود شامخا عظيما سامقا حد السماء، لا أريده أن يهبط من سماء الرفعة.. بل يرفع إليه الأنثى – الزوجة والأخت والقريبة والزميلة والابنة – وفي نهاية مقالي اليوم عن الرجل، اسمحوا لي أن أعرض على سيادتكم تعليقا من ضمن التعليقات التي وردت في مقال (أنثى ولكن)، ورد في تعليق أخ فاضل: "أمتنا بخير والحمد لله والرجال لا يتغزلون في العيون والشفاه إلا في الديسكو وأماكن الفجور.."
بصراحة شديدة، أتوق لمعرفة اسم الدولة أو المدينة الفاضلة التي يقطنها القارئ الكريم، لنهاجر إليها جميعا! سيدي، أنا لست من كتاب المدرسة الكلاسيكية مثل (جوته شيلر) التي تسعى لتصوير العالم تصويرا مثاليا – الناس ملائكة والأرض خضراء – بل تغريني المدرسة الواقعية لـ (نيتشه) و(فونتانه) و(شتورم) التي وصفها أوتولودفيج بأنها انعكاس للحياة الحقيقية ولابد من أن تعبر عن الجوهر الداخلي للأشياء..
قلم / أسماء عايد
http://www.dr-asmaa.com/