الأحد، 19 أبريل 2009
حكاية سناء معتصم



((هي ...
لا ليست هي فقط تشبهها جدا ..
لكن ليست عيناها ))
يااااااه سناء شرارة
هكذا كنا ندعوها
لم تدعوها إحدانا باسمها إلا نادرا
كانت هذه حقيقتها سناء شرارة
كانت حين تكتب الشِعر أو تلقيه علينا تشعل إحساسنا
تلهب نفوسنا
تارة تأخذنا بأبياتها تغوص بنا حول جمرات من لهب
و تارة تغمسنا تحت سطح أنهار من جليد
تتركنا بعد القصيدة نلهث في تعب مع كل تجربة شعرية جديدة
كنا نلتف حولها في نهاية كل يوم بعد محاضرات نراها طويلة مملة
لأنها تفصلنا عن سناء
كنا نظل نتابعها حتى إذا ما رأينا ومضة أو لمعة نعرفها بعينيها كنا نعلم أننا سنشهد اليوم ميلاد قصيدة لسناء
وسنشهد يوما لذكرى ميلاد سناء
فقد كانت تحيا بالشِعر
كنا نسرع نلتف حولها ثم نبحث عن مكان نجلس فيها
أو تتركنا واقفين طويلا دون شعور
ولا تنتهي حتى تلمع أعيننا بتلك الشرارة
وتدمع قلوبنا بإحساس لا يوصف

سناء
كانت أجمل شيء حدث بحياتنا
في فترة مفترق الطرق بين الكيان واللا كيان
صنعت أشعارها منا أرواحا تحلم
تجد نفسها في القصيدة
تجد أحلامها أبياتا تتحقق
بنت في نفس كل واحدة منا قاعدة إطلاق تشبه قاعدة إطلاق الصواريخ
أطلقنا منها العنان لأحلامنا وراقبناها علي الرادار حتى وصلت كل منا لمحطتها
ثم بدأت كل منا في استكشاف القمر وبنت لنفسها بيتا في عليائه
كانت قصائدها شراره تمسك بنا تشتعل في هشيم الأحلام الصغيرة
تصنع منه نارا يستدفئ بها حلم كبير من برد شتاء اليأس ليحيا حتى يبلغ شمس الهوية
كنا لا نحسدها على موهبتها التي كانت تتدفق كمياه النيل في رقتها وفي قوتها الخفية
لأنها كانت تروينا بها
كانت تروي بداخل كل منا أحلامنا التي رأيناها لن تصمد في واقعنا القاحل
آمنا بشِعرها وآمن بنا
روت بداخلنا ما نحن عليه الآن
بدون شعور مني وجدتني افتح حقيبتي اخرج منها حافظة الأوراق
ابحث فيها عن ورقة صغيرة أعطتها لي يوما حين أخبرتها أنني أريد الكارت
الشخصي لها حتى أستطيع أن ادخل لها يوما ما عندما تصير ما تستحق
ضحكت في حميمية وأعطتني ورقة صغيرة عليها أبياتا من الشِعر
قالت لي ضاحكة ليس لدي كارت أقيم منه
مهلا ...
أهذه هي ؟!!
ليست عينيها
ليست روحها
جسدا يشبهها
ملامح قريبة منها
لكن شيء بعينيها مختلف
شرارتها انطفأت
تقف أمامي في المترو تحمل في يدها ملف شفاف مكتظ بالأوراق
بعضها بعد إمعان النظر يحمل اسم معهد ناصر
اقتربت منها وأمعنت في النظر
ونادت علي (هبة عبد الرحمن ) اقتربنا وتعالى صوتي وأنا أحتضنها في لهفة
قائلة (سناااااء شرارة)
ارتجفت في حضني
وانسلت من بين يدي كمن سمع خبرا مفجعاً
حاولت أن تزيل التوتر بابتسامة مرتعشة أكثر توتراً
وألما مرددة
سناء معتصم يا هبة
سناء معتصم
توالت أسئلتي بعد اعتذار خفي لقلة حيلتنا
انقطعت أخبارك منذ أكثر من 7 أعوام
عندما غيرتي أنتي وعائلتك سكنك دون أن تخبرينا
إلى أين ذهبتم..؟؟

بحثنا كثيراً عنك ولكن كل بحث باء بالفشل
توالت أسئلتي عنها وعن أحوالها
وأطلت الأجوبة على استحياء وتردد
في البدء أخبرتني عن موت أمها
ومرض أبيها
وكيف اضطرت للبحث عن عمل مناسب
أي عمل
توالت أسئلتي وإجاباتها
ثم سألتها
والشِعر؟؟!!
أجابت في ابتسامة مرة: مل من انتظاري
فلملم رحاله وتركني وحدي
قلت لها ضاحكة : الشِعر.... أبدا
ونقرت على رأسها (وكنا نفعل ذلك دوما حين تبهرنا بقصيدة - وكانت تفعل دائما)
وقلت لها: إذا فتحنا رأسك بمشرط سنجد الشِعر يرتشف قهوة الصباح بغرفة مشمسة بعقلك..!!
فردت علي بعفويتها التي كانت ترد بها دوما:
لا لن تحتجن لمشرط يكفيكن ورقة وقلم
في تلك اللحظة أنارت وجهها بسمة صافية
أعقبها وصول المترو لمحطتها
ردت بسرعة : يجب أن أنزل هنا وتعالت أصواتنا بأرقام الهواتف
ونزلت وأنا أنظر لعينيها التي لمعت
رأيتها وقفت مرة واحدة بعد أن كانت تسرع الخطى
فتحت الملف وظلت تبحث عن شيء ما
ثم أخرجت ورقة وظلت تقلبها حتى اطمأنت إليها
وأعقبها قلم
ووقفت تكتب مستندة على ملفها
نزلت من المترو قبل إغلاقه بثانية
لم تلاحظني
ظلت تكتب
وتكتب
دون توقف
كانت كمن كاد يموت من شدة جوعه للورق
لا أعلم كم وقفت كما لا اعلم ماذا كتبت
لكن بعد انتهائها التفتت دون هدف في ابتسامة أعرفها
عندما كانت تكتب جديد أشعارها..
ولمحتُ عينيها
ومضتْ نحو السلم
كانت هي
يااااااااااااااااه
سناء شرارة

قصة / إيمان عبد الحميد

التسميات: