
إنها الساعة الثانية و النصف بعد منتصف الليل, و أنا ممدة في سريري و عيناي تحملق في زاوية معينة من سقف غرفتي,.. و بتركيز كامل في تلك الزاوية.. أرى حياتي شريطا يمر أمام عيني.. شريطا أرى نهايته في هذه الليلة..
ودون أن أبعد عيناي عن السقف, مددت يدي لأتحسس ملاءتي على يساري.. فأجدها فارغة,..
وتمتد يدي إلى الأعلى قليلا لأجد وسادتي باردة.. أحدثت تلك البرودة قشعريرة قوية سرت في كامل جسدي حتى وصلت إلى قدمي, نظرت إلى النافذة فوجدتها مغلقة.. وعرفت حينها أن البرودة تلك في أعماقي..
وشعرت بسريري يتسع و يزداد اتساعا و برودة..
وسقف غرفتي يقل ارتفاعا حتى أحسست أن بينه و بين أنفي بضع سنتيمترات...
إنها أول ليلة أقضيها بدونه.. أول ليلة يترك مكانه و يرحل... وأنا لا أتمنى في لحظتي هذه سوى شيء واحد..
أن أبكي..
أريد أن أبكي...
إن بكاء القلب أصعب ألف مرة من بكاء العين, و أنا أشعر باختناق غريب يتملك حنجرتي و قلبي..
اختناق لن يزول إلا بعد أن أبكي....
وبعد ساعات طويلة مرت علي و أنا أحملق في نفس الزاوية من السقف, انتبهت إلى صوت منبهي يدق مشيرا إلى الساعة الثامنة صباحا, ميعاد استيقاظي للذهاب إلى العمل... أنزلت قدماي من الفراش ببطيء, لأجد الأرض أشد جفافا وبرودة, و أنا في خمول شديد يتملك جسدي و نفسي..
غسلت وجهي و توجهت إلى المطبخ لعمل قهوة الصباح..
ارتشفت منها رشفة واحدة فوجدت فيها مرارة غريبة.. أضفت إليها قطعة من السكر وأخذت رشفة أخرى..
إنها مرة أيضاً...
أضفت قطعة تلو الأخرى و المرارة لا تقل ولا تزول.....تركت فنجاني مكانه وذهبت إلى غرفتي لأستعد للنزول.. نظرت إلى مرآتي لأرى الهالات السوداء قد تملكت من عيناي, حاولت إضافة مساحيق التجميل لأخفي تلك الهالات وأخفي معها زرقة وجهي البائس..
ولكن لم تنجح أي مساحيق في إخفاء ذلك البؤس... وأحسست بنفس الاختناق الذي اعتراني بالأمس, ونفس عدم القدرة على البكاء.. ودعوت الله أن يبكيني..
أريد أن أبكي....
تركت مساحيقي السخيفة واتجهت إلى دولابي,.. فتحته لأتناول ثوبا أسود...
واتجهت مقلتاي إلى اليسار قليلا لأرى ثيابه بجوار ثيابي..
مددت يدي لألتقط إحدى بذلاته التي كان يفضلها.. ونظرت إليها مطولاً, وأنا مستمرة في الاختناق والرغبة في البكاء,,
ثم دنوت بالبذلة إلى صدري واحتضنتها بقوة..
وشعرت لوهلة أن الله بعث الروح في أكمامها لتحتضنني هي الأخرى,,
وشردت بضع دقائق..
حتى أفقت من شرودي على صوت حنون ينادي برقة الدنيا : ماما..
التفت لأرى وجه ابني والنعاس يداعب جفنيه الصغيرين..
ثم نزلت على ركبتي لأضمه إلي بقوة,
وحينها قال لي ببراءة طفل لا يعي ما حدث :
هو بابا راح فين..؟؟
فقلت له: سافر.. سافر سفرا طويلا..
لن يعود منه..
لكننا سنلحق به ..
في يوم ما...
لم يفهم كلماتي..
لكنه شعر بحزني..
وازداد اقترابا وضما ..
وحينها فقط..
شعرت بقطرات مبللة على خده الرقيق,,
وأحسست بشيء الراحة..
وشيء من الأمل..
نعم لقد بكيت..
أخيرا بكيت....
قصة / إيناس حليم
التسميات: قصص قصيرة
رغم ان القصة جيدة الا انني كنت اتمني ان اري فيها ماهو اكثر غير حالة البكاء التي لم تنجح
ايضا اريد ان اضيف ان تعبيراتك التي جاءت معبرة لفقدان الحبيب جاءت معبرة ورقيقة
تحياتي
osama
شكرا جزيلا مرة تانية على تعليقك و متابعتك لموضوعات المجلة
بس هي القصة كانت بتتكلم عن حالة واحدة معينة في عدد ساعات قليلة و هي حالة البكاء زي منتا قلت
و الحقيقة المقصود من القصة مش البكاء نفسه
المقصود كان الصدمة و الاختناق و الافتقاد اللي بيخلي البكاء صعب جدا في حالة معينة و هي الموت
شكرا لك مرة تانية
تحياتي
أولا أنا آسفة جدا لأني كنت السبب في بكائك..
ثانيا أنا بجد متشكرة جدا على تعليقك لأنه حسسني قد ايه الاحساس اللي كنت عايزة أوصله من القصة وصل
لأني فعلا وأنا بكتب القصة بكيت.. مش لتجربة شخصية الحمد لله
بس حسيتها فعلا..
وانت عندك حق البكاء ده نعمة كبيرة من ربنا..
شكرا مرة تانية و ربنا يوفقك لأنك انسانة جميلة و قلمك جميل
تحياتي
شكرا يا رنون أنا مبسوطة أوي انها عجبتك..
وحشتيني :))