
الفرج أحدث روايات الكاتبة القصصية د. رضوى عاشور الصادرة عن دار الشروق ، قد سبق أن صدر للكاتبة العديد من الأعمال منها ( حجر دافئ )عام1985، (سراج ) عام1992،( ثلاثية غرناطة )عام1994-1995، أما روايتها الجديدة ( الفرج ) والذي لا نعلم عن هويته شيئا حتى السطور الأخيرة من الرواية ، التي تتناول فيها الكاتبة موضوع ظل يؤرقها لسنوات طويلة منذ مذبحة دير ياسين عام 1948تحديدا ، وهو السجون ، والمعتقلات العربية ، والتي سبق لها أن تناولتها بشكل عابر في أعمال سابقة ، ولكنها في هذه الرواية تنقلنا من السجن بمفهومه العام إلى السجن خارج القضبان ، حيث يأخذنا روتين العمل اليومي ، ودورة الحياة السريعة التي لا تتوقف ، لنجد أنفسنا داخل سجن كبير لا نستطيع الفكاك منه ، وأشد السجون قسوة هو ذلك الذي يشيد داخل النفس .
غربة !
أحداث الراوية تدور حول " ندى" وهى فتاة من أسرة متوسطة ، تعيش في زنزانة ذاتها بعد انفصال والديها متنقلة ما بين أم فرنسية ، وأب مصري يساري يعمل أستاذا جامعيا ، وأخوين توأمين غير شقيقين ، وعقب تخرجها من الجامعة ، بدأت حياتها العملية ، ثم قامت بزيارة إلى والدتها في باريس ، حيث تعرفت هناك على جارها الشاب " جيرار" الذي أصبح صديقا لها ، وكانا يمضيان الساعات يتجاذبا أطراف الحديث ، حيث سرد عليها أحداث عام 1968، حين هب طلبة الجامعة في باريس ، وأشعلوا النار في كل ما هو ثابت ، وراسخ يحيط بهم ، بينما سردت هي عليه خروجها مع زملاؤها الطلبة ، ورفاق نضالها المبتور في القاهرة إلى الشوارع عامي 1971-1972، قولها : ( لم أكن وحدي في ذلك لأنني أذكر أن منى عبد العظيم أنيس ، وكان والدها زميل أبى في الجامعة ، وكلاهما تم اعتقاله في نفس السجن بالواحات ، في عهد جمال عبد الناصر، وقد أخبرتها صديقتها بإن أحد أبناء " عبد الناصر " كان زميلها في الفصل ، فطلبت منها التعرف عليه حتى تعرف منه سبب اعتقال أبويهما ، وإن لم يكن يعرف فليسأل والده عن ذلك..) ، ثم زيارة " ندى" إلى عمتها الصعيدية التي أخبرتها عن الرسالة التي أرسلت بها إلى " عبد الناصر"عقب اعتقال أخيها ، لنفس الأسباب .
سوء تفاهم !وقد رصدت رضوى الصلة العميقة التي تربط مابين الصديقتين " ندى"، و"منى"، وأهمها إن كلتيهما قد عاشت مع زوجة أب بعد طلاق والديها ، وذلك من خلال الحديث الذي دار ما بين الفتاة ، وأمها وهى تتحدث عن علاقتها بأبيها ، وكيف تزوجا ، وأسباب طلاقهما ، قائلة : ( لابد إنك تذكرين بكاء أبيك ، هذا أكيد، لكنك قد لا تذكرين ما قاله لي أبوك عندما سألته عن سبب بكائه حين كان "عبد الناصر" يلقى خطاب التنحي ، وأخبرته أنني لا أفهم لماذا يبكى على رجل وضعه في المعتقل خمس سنوات ، وهنا صاح في إنني عمياء ، ثم غادر المنزل، قد لا تذكرين هذه العبارة لكنه قالها ، وبالنسبة لي كانت هذه العبارة هي الفاصلة والنهائية ، فقد كانت الخلافات بيننا ، والشجار التكرر أمرا قابلا للتفاوض، وإعادة النظر، لكنه عندما قال أنني عمياء أدركت فورا أن العلاقة بيننا قد انتهت، لأنني أيقنت أنني لا أستطيع أن أرى ما يراه..!!)
حلم الحرية..!!
وفى لحظة ضجر تمد " ندى" يدها إلى حقيبتها فتخرج منها كتابا كتبه المغربي " أحمد المرزوقي " روى فيه عن تجربته المريرة في معتقل ( تازما مرت) ، في جنوب الصحراء المغربية ، وزنزانته ( رقم 10) ، حيث فوجئ يوما بسرب من الحمام البرى ، الذي ما لبث أن غادر المكان ، ولكنه فوجئ ببقاء طائر منهم ، أختار البقاء معهم في السجن ، وصحبة النزلاء فيه ، وقد أقام طائره ( فرج ) ، وهو الاسم الذي أطلقه عليه ، حيث بنى لنفسه عشا تحت السقف في مقابل زنزانته ، و قد أفرخ حمام ثلاث مرات ، وفى يوم رحيلهم 15 سبتمبر 1995، ورغم كل ما كان يعانى منه " المرزوقي" من ألم ، وصعوبة الحركة ، والانفعال الزائد لخروجه من السجن الذي أمضى فيه ثمانية عشر عاما ، ، لم يستطع أن يمنع نفسه من النظر إلى السقف وتوجيه شكره للحمامة البرية التي آنست وحدته ، وكأن هذا الطائر الذي يحمل اسم ( الفرج ) يرمز إلى الفرج ، والحرية التي يتوق إليها كل المناضلين في حركات الثورة ، والتمرد في العالم ، والحلم بالخروج من السجون ، والمعتقلات إلى النور، بعد أن تفتح لهم الأبواب الموصدة بالأقفال الحديدية..
قلم / نهال قاسم التسميات: نقد أدبي