
كانت السينما بالنسبة لها بيت تلوح إليه لتري الفن الذي تهواه بكل أنواعه , فهي فتاة تعشق كل ما هو جميل والفن لديها كنز دفين , ورفيقها أيضاً يهوي الفن ولكن ليس بنفس المقدار الذي بداخلها... فقد كان يلقي علي مسامعها كثيراً أنها بارعة في وصف المشاهد السينمائية وأنه عندما يسمعها تروي شيئاً ما يشعر و كأنه يراه أمام عيناه.. وكان يؤكد لها أنها مخرجه مبدعه ولا ينقصها سوي الفرصة... عندما سمع روايتها أول مره أدمنها وكان يطلب منها في كل مره أن تضيء ليله بشيء جديد يعرفه منها وترويه إليه .
جلسا بجوار بعضهما البعض , دخلا متأخرين وكان الفيلم قد أقترب من منتصفه , كان هناك همهمات كثيرة من الجالسين والظلام كان أفضل الأجواء التي تهواها.. كلاً منهما ينظر إلي شاشة العرض و لكن تختلف الرؤية , لا تعرف فيما يفكر رفيقها ولم تسأله ولكنها تشعر به دون أن تنظر إليه فهي تشعر ولكن في صمت وهنا كانت المفاجأة...
نظرت لشاشة العرض فلم تري الفيلم الكوميدي بل رأت حياتها بكل مشاهدها وتفاصيلها.. فكل ما جاءت هنا لتنساه جاء وراءها وأعلن العصيان ورفض أن ينساها..!!
فها هو المشهد الذي تبكي فيه عندما فقدت قلبها وتنحت عن عرشها , وها هي أفكارها تطير من كثرتها وتجري هي وراءها ولم تلحقها , ها هو من قتلها.. وها هي من تركتها لأحزانها ولم تكترث لآلمها... ربـــــــاه فها هو منزلها بكل أركانه وتتوالي أمام عيناها ذكرياتها بداخله منذ الصغر وحتى عمرها الذي وصلت إليه كانت تشاهد كل ذلك وكأنها تصرخ لتقول كفي لم أعد أحتمل وكل ذلك في صمت لا يشعر بها حتى رفيقها... بيتها رغم عشقها إليه لم تعد تهواه.... صرخت بشوق وكأنها تتوق لأحد ما , أخذت تنظر حولها خوفاً من أن يكون أحدهم قد سمع صرختها فلم تجد وهنا تنفست الصعداء وهدأت.
ثم جاءت المشهد الذي تتجنبه كثيراً.... ونظرت ثم قالت أمي لا تتركيني نعم لم تفهمينني قط ولكنك الحضن الدافئ علي الإطلاق .
هنا لنا وقفه فقد كانت الأجواء داخل صالة العرض كلها موحية لها بشيء ما لا تعرفه ولكنها تشعر به... وفجأة ضحكت الفتاه كثيراً وبصوت عالي والجميع يعتقد أنها تضحك علي المشاهد الجميلة في الفيلم الكوميدي ولكن , كانت تضحك علي دموعها التي تتساقط بين أضلعها تروي عطش أيام كانت كالصحراء الجرداء التي لم ينبت فيها زرع منذ سنين .
وتتوالي المشاهد وراء بعضها البعد منها المؤلم ومنها الموحش , ومنها ما كان حكيم وتعلمت منه الكثير... والجميع ممن حولها يرون ما لا تراه هي , وهم أيضاً لا يرون ما تشعر به وترضاه , وتنتهي المشاهد وكانت أخر الكلمات التي كتبت علي شاشة العرض رسالة موجهه إليها ....
" فيلم كان اسمه حياه "
وجب الرحيل وبالفعل خرجت بجوار رفيقها الذي لم يتحدث الكثير برغم تفكيره العميق الذي يظهر وبشده في عيناه فقد فضل الصمت مع ابتسامة مجهولة , كانت شوارع المدينة تشبه القاهرة كثيراً بشكل لا يصدق .. فمصر بالفعل سواء إن كان شمالها أو جنوبها فكلاهما متشابه .
البحر ينادي عليها وهي تسمع أنينه واشتياقه إليها وهي تغرق في حبه منذ سنين سمعت صوته ينادي لتكمل حديثها معه , فهي تعلم كم يشتاق إليها , ولكن لو عرفنا أن البحر يتوق إلينا أكثر منا لم أحببناه بهذا الشكل فكثيراً ما يكون تفسير بعض الأشياء يفقدها معناها , بداخلها شيء تود الإفصاح عنه فهو كالجبل فوق صدرها يؤلمها ولا تتحمله ..استوقفت رفيقها وبعثت له بكلمات قويه وكأنه بالفعل كان ينتظرها
قالت : .....
Cut
وللحديث بقيه
قلم / ناهد سمير