صدر للكاتب الروائي فؤاد قنديل ، أحدث مجموعة قصصية بعنوان ( سوق الجمعة ) والصادرة عن دار أخبار اليوم ، المجموعة تقدم كيان روائي متكامل ، متدفق بالحياة ، يتمثل في سوق الجمعة ، هذا العالم المتكامل الذي كان الشماعة التي علق عليها الكاتب كل هموم ، ومشاكل البشر ، كما أنه كان المكان الذي تتجه إليه جميع أنظار الناس لشراء ما يلزمهم بسعر رخيص ، وفى السوق نجد نماذج مختلفة من البشر الذين يمكن أن نصادفهم في حياتنا اليومية ، حيث يرصد الكاتب تكوينهم النفسي السيكولوجي ، والبيولوجى ، وتعاملاتهم اليومية في السوق ، ومعتقداتهم ، التي نشتم فيها رائحة البخور ، والتراتيل الدينية ، في محاولة لتأملها ، وإعادة النظر فيها ، وثقافتهم الشعبية ، التي تعلى من شأن القيم الإنسانية الرفيعة ، الحب ، والتسامح ، والوفاء ، التعاون ، والتكافل الاجتماعي ، وتؤمن بالقدر الذي يتحكم في حياتهم ، ومصائرهم !
ثقافة المصريين !
يبدأ " قنديل " ، مجموعته بمقدمة يمتدح فيها يوم الجمعة ، الذي يرمز فيها إلى تجمع المسلمين ، في ذلك اليوم ، كما يرمز إلى الجامع ، والجامعة ..، لافتا أن الجمعة بمثابة مفتاح للحياة المصرية الراهنة التي تجمع بين صفوفها آلاف السنين من المرويات ، والمخطوطات ، والمدونات ، والأمثال ، والمواويل ، والقصص الشعبية المتوارثة ، التي تميزت بها مصر ، كمبدعة ، ومستودع للثقافة عبر التاريخ البشرى، تلك الثقافة التي صنعها المصريون ، الذين كان النيل مصدر إلهام لهم ، راصدا الزلزال الكبير الذي حدث في العقود الأخيرة ، والذي أدى إلى تفكك ، وفقدان تماسك المجتمع المصري ، الذي تحول إلى مجرد تجمع بشرى يضم اليوم ( 80 مليون شخص ) ، كما أدى إلى تصدع البنية الثقافية المصرية ، الفكرية ، والروحية ، التي توارت بفعل استبداد الجماعة المصرية ، الأمر الذي أدى إلى غياب وتراجع الروح المصرية ، واضطراب الملامح الرئيسية الثلاث للشخصية المصرية ، التي كانت تقوم على الاستمرارية ، والاستقرار، والتسامح الديني ، الذي يحتوى التعددية ، لذا يحاول "قنديل" ، من خلال مجموعته التي تضم ثماني قصص ، ( بيت النار ، المصيدة ، شطة ، ثمرة جنة ، محمد جرجس ، ندى الورد ، يمامة خضراء ، زنجبارى ) ، إيقاظ روح المقاومة عند الشعب المصري ، ضد القنوط ، والجهامة ، والعتامة ، وعدم الاستسلام للواقع المرير ، الذي لا يزال هناك من يكافح في التصدي له ، ومقاومته ، والإصرار على الوقوف من جديد !
دعوى للتغيير !
أحداث المجموعة تدور حول السوق ، المكان الثابت ، الذي يؤثر على مسار حياة أبطالها ، وعالمهم شديد الخصوصية ، والذين يستبدلون أماكنهم ، وأسمائهم من قصة إلى أخرى ليستكمل أحداث مجموعته القصصية ، حيث نجد شخصية توحه ، في قصة ( ندى الورد ) ، هي بشاير في ( بيت النار ) ، كما نجد أن معظم أبطال المجموعة عاجزين عن التحقق في الحياة ، والتفاعل مع المجتمع ، مما يجعلهم في حاجة إلى المساندة ، والدعم ، النفسي ، والاجتماعي من المجتمع !
القصة الأولى ( بيت النار ) ، حيث نجد آدم ، العاجز عن التحقق جسديا مع امرأته ، أو التفاعل ، والتحقق في حياته العملية ، نتيجة خضوعه لظروف اجتماعية ، وضغوط نفسية تؤثر في علاقات مع الآخرين .
في قصة ( المصيدة ) ، إبراهيم ، أو المفتح الذي يتأثر بموت رضا ، ويشعر بعدها بالفقد الحقيقي للبصر ، ويصبح موتها نذير شؤم ، تتوالى من بعده الأحداث المأسوية!
قصة ( شطة ) ، بطلها شخص مقهور ، لم يتاح له قدر كبير من التعليم ، غير قادر على تحقيق حلمه في الزواج من بشاير التي يعشقها .
قصة ( ثمرة جنة ) ، بطلها باحث أكاديمي ، متميز ، يقوم بإعداد رسالة الدكتوراه ، ويقوم باختيار زوجته على أساس حسي غير خاضع للعقل ، والمنطق .
قصة ( محمد جرجس ) ، بطلها رجل غير مثقف ، هارب من ثأر في الصعيد ، يمتلك قدرة كبيرة في التعامل مع الأرقام ، ومعاملات البيع ، والشراء في سوق الجمعة .
قصة ( يمامة خضراء ) ، يرصد الكاتب في لغة هي أقرب إلى الشاعرية ، أول لقاء يتم ما بين الرجل ، والمرأة ، وأول ما يلفت نظر كل منهما في الآخر، واختلاف رؤية كل من الرجل ، والمرأة .
في قصة ( زنجبارى ) ، نشتم فيها روائح العطور الباريسية الفاخرة ، البطل دبلوماسي فقد زوجته في حادث سرقة ، يقوم باسترجاع ذكرياته مع زوجته الراحلة ، من خلال رحلاتهما إلى المدن الأوروبية المختلفة ، ومحاولته استعادة التذكارات التي قاما بشرائها معا ، وتمت سرقتها ، وبيعها في سوق الجمعة .
وأخيرا نجد أن قصة ( ندى الورد ) ، فيها بصيص من الأمل ، ودعوى من "قنديل" إلى التغيير، ومحاولة استنهاض التاريخ المصري ، وترميم الأخطاء ، والسلبيات ، والشروخ ، والهزائم النفسية ، التي أصيب بها المجتمع المصري ، والتطلع إلى مستقبل تستعيد فيه الأمة ، الروح الوطنية المصرية ، والبنية الثقافية المصرية العريقة ، التي تميزت بها مصر، وأعلامها في التاريخ المصري القديم..!
قلم / نهال قاسم
التسميات: نقد أدبي