الخميس، 5 مارس 2009
حكاية العمامة والقبعة..!! - نقد

العمامة والقبعة لا بد أنك اصطدمت بهذا الاسم من قبل إذا لم تكن من قراء المبدع صنع الله إبراهيم ولابد أن تعرف هذا الاسم جيدا إذا كنت شغوف بقراءة أعمال هذا الروائي المعارض..
والعمامة والقبعة هي أحدث روايات الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم الصادرة عن دار المستقبل العربي في العام المنصرم 2008 ، والرواية تتكون من تسعة فصول ، تغطى زمنيا ثلاث سنوات منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر في 22 يوليو عام 1798، و حتى 31 أغسطس عام 1881، باعتبارها أكثر الأحداث ثراءً في التاريخ المصري القريب ، حيث تعكس شراسة المصريين في مواجهة المحتل ، وقد اهتم " الكاتب " برصد التفاصيل الدقيقة وثيقة الصلة بالأحداث ، بدء بالمكان الذي دارت فيه أحداث المعركة ، والحياة الشخصية ، والسرية لأبطال هذا العمل ، و مأكلهم ، ومشربهم ، وملبسهم ، والعلاقة ما بين المسلمين ، والأقباط في تلك الفترة ، والتسامح الشديد السائد بينهما ، وقد بدأ السرد بعد أن استتب الأمر للفرنساويين في مصر ، ومع بداية الثورات الشعبية الأولى في 21 أكتوبر بعد عام من دخول الحملة ، ثم الثورة الشعبية الثانية التي اندلعت من حي بولاق في 20 مارس ، ومن خلفها ثورة المشايخ ، و المثقفين ، التي دامت لأكثر من شهر ، ثم تحول الكفاح السياسي الطبقي الوطني ضد الاحتلال إلى صراع ديني ، وتأثيره السلبي على القوى الوطنية المصرية ..


دعوة للتأمل..!!

ويشير الكاتب كذلك إلى موقف كل من الأتراك ، والمماليك – الحكام المحليين حينها الذين قبلوا التعاون مع المحتل – وأصبحوا وكلاء للغزو في مقابل السلطة ، والثروة كما فعل " مراد بك " الذي وافق على أن يحكم الصعيد باسم فرنسا ، بينما أختار الشعب المصري مقاومة المحتل بشراسة مثلما فعل كل من الشيخ " المحروقي "، و" عبد الظاهر"، بينما تعاون البعض الآخر مع المحتل الغازي من النخبة المثقفة ، والعلماء ، و الشيوخ ، وكذا الراوي آملين في استبدال الاحتلال الفرنسي بالتركي..!!
(وهنا تبدو بوضوح فكرة الاستعانة بطرف أجنبي خارجي للتخلص من الحكم المحلى المستبد ، على نحو ما حدث في العراق مؤخراً) ، ويشير الروائي صنع الله إبراهيم إلي الراوي وهو شاب نزح من الصعيد إلى القاهرة بعد موت أهله في الطاعون ، حيث التحق بالجامع الأزهر ، وتردد على الشيخ " الجبرتي " حتى أصبح يساعده في عمله كمؤرخ فيقوم بتسجيل يومياته ، التي يؤرخ بها لحياته ، وللحملة الفرنسية منذ أصبحت على مشارف القاهرة ،
وتعتمد الرواية على هذه اليوميات التي يصف فيها الشاب علاقته بأستاذه ، ثم قبوله العمل بالخدمة مترجما في الجيش الفرنسي خلال زحفهم على مدينة العريش ومدن فلسطين والشام ، ثم تعرفه على " بولين " الفتاة الفرنسية التي تصبح خليلة "نابليون" فيما بعد ، ليكشف من خلال هذه العلاقة عن الهوة الحضارية الشاسعة التي تفصل مصر عن الحضارات المغايرة ، ثم تمضى الأحداث التي تجبر " نابليون " على الرحيل إلى فرنسا ، وبقاء "كليبر" من بعده قائدا عاما للقوات الفرنسية حتى يغتاله "سليمان الحلبي " ويأتي "مينو" من بعده ، ثم تتوالى الأحداث حتى نصل إلى هزيمة الفرنسيين على يد البريطانيين في موقعة أبى قير البحرية بالإسكندرية ، وانسحابهم على آثرها من مصر..

التاريخ يعيد نفسه..!!

وفي النهاية تضعنا الرواية أمام شخصيات تاريخية ، و تيارات فكرية ، ترمز بشكل أو بآخر إلى زماننا الحالي ، وهى دعوى من الكاتب لتأمل أحوالنا ، ومشاكلنا ، وما يحيط بنا من تحديات ، ومحاولة فهم الواقع الراهن على ضوء هذه المعطيات ، مؤكدا أن ما حدث بالأمس يتكرر اليوم بنفس أخطاء ، و الجرائم التي ترتكب من قبل السادة أو المحتل الغاصب ، في زمن يخيم عليه الجمود الفكري ، والضعف ، والتفكك ، والشتات الوطني ، والصراع العربي العربي الذي طمع أعداؤنا فينا..!

قلم / نهال قاسم

التسميات: