الخميس، 12 مارس 2009
نشلوني الأوغاد..!!

"أنت اتنشلت يا معلم!"
بهذه العبارة صاح عقلي وهو يغلي من الحنق والغيظ الشديدين، وذلك بعد أن تحسست جيب سروالي الخلفي ولا أثر لحافظة نقودي التي أضعها دائماً به، وبات مؤكداً أني تعرضت لأسخف شيء يتعرض له المرء في طريقه وهو النشل!
..
تلفت يميناً وشمالاً باحثاً عن شيء وهمي بين أناس كثيرين يقفون مثلي في محطة (الأتوبيس) قبل أن يخطر على بالي فكرة.
..
هل يمكن أن أكون نسيت الحافظة في المنزل..؟!
رفض عقلي تلك الفكرة بشدة، فأنا متأكد تماماً أني وضعت الحافظة بيدي في جيب سروالي الخلفي ولا مجال للشك في هذا.
..
"جررر، أيها النشالين القذرين!"
إنها المرة الثانية التي أتعرض فيها لذلك الأمر السخيف..
نفس الأسلوب الذي يتبعه هؤلاء النشالين، ولا أتعلم أبداً!
غبي.. غبي!
..
في المرة السابقة، كنت أقف وسط أناس كثيرين ينتظرون (الميكروباص) وفور رؤيتنا له اندفعنا جميعاً محاولين التشبث بأي شيء من جسم (الميكروباص) (ثم بعدها يبقى يحلها حلال).
..
وبعد أن نجحت بصعوبة في الانسلال من وسط الناس وأواجه باب (الميكروباص) لأهم بالركوب، فوجئت بشخصين يقفان خلفي وقد دفعني أحدهما في كتفي بطريقة جعلتني ألتفت إليه في حدة صائحاً:
"بالراحة يا عم أنت، ما تزوقش!"
..
نعم نعم، أعرف أن ضحكاتكم بدأت تعلو الآن سخرية مني..
فعملية النشل تمت بالفعل، وسُرقت حافظة نقودي.
..
إنها نفس الخدعة القديمة، يقوم أحد النشالين بإلهاء الشخص (الضحية) بدفعة أو ما شابه، وما أن يلتفت الضحية له، يقوم النشال الآخر (من الجهة الأخرى) بإتمام عمليته في سرعة وإتقان شديدين.
..
تذكرت تلك الحادثة القديمة وأنا أدير رأسي ناظراً إلى الأشخاص الواقفين حولي محاولاً البحث عمن كان واقفاً خلفي.
- آه، أيمكن أن يكون هذا الرجل؟!
لكن لا لا، فزوجته الحامل تقف بجواره ولا أعتقد أن يكون إتقان النشالين في التمويه يصل لهذا الحد!.
..
- إذن مَن عساه أن يكون هذا اللص؟
مهلاّ، ماذا عن هذين الشابين الذين يقفان هناك؟
لقد كانا خلفي مباشرة، ومن المؤكد أنهما اللصان.
يا للأوغاد!
ولكن ماذا أفعل الآن؟
هل أمسك بهما صائحاً: "طلعوا اللي سرقتوه يا ولاد الـ........ !!"
لا لا، فعادة هؤلاء القوم ما يحملون أسلحة بيضاء، والأمر لا يستدعي أن يكتسب وجهي خطوطاً سخيفة تلازمني طيلة عمري من أجل حافظة نقود..!!
شكرت عقلي على حكمته (بصراحة هي حكمة ممزوجة بشيء من الخوف)، وطلبت منه أن يدلني بسرعة كيف أتصرف والشابان ينظران لي وعلى وجهيهما تعلو ابتسامة غامضة أثارت جنوني.. بيد أنها ألهمتني بفكرة رائعة!ً..

"حسناً، أيها الأوغاد، لن تفلتا بفعلتكما"
أبرزت هاتفي المحمول المزود بكاميرا، وقمت بضبطه على وضع التصوير، وفي أقل من ثانية التقطت صورة واضحة لهذين الوغدين دون أن يلتفتا لفعلتي.
"ها ها ها، الآن يمكنني القيام بمحضر في قسم الشرطة مدعوماً بصورتهما مما يسهّل الأمر كثيراً"

أعجبت بفكرتي هذه، واتجهت إلى عملي، وأنا أنوي تنفيذ باقي الفكرة بعد دوام العمل.
..
"ما تصبّح يا عم أنت!"
صاح فيّ (شندويلي) زميلي في العمل وعلى وجهه ابتسامته المعهودة.
نظرت إليه لحظة في شرود قبل أن أقول: "شوفت الفصل البارد؟ وأنا جاي، اتنشلت!"
صاح (شندويلي):
- "إيه، اتنشلت؟ طب اقعد واحكي لي اتنشلت فين وأزاي!"
اتجهت نحو المقعد المقابل لمكتبي لأجلس، وما أن جلست على المقعد حتى عاودت الوقوف بسرعة وكلي توتر واندهاش شديدين.
هتف (شندويلي):
- "مالك يا ابني؟"
نظرت إليه في صمت، ويدي تمتد إلى جيب سروالي الخلفي لتخرج حافظة نقودي أمام وجهي.
في حيرة صاح (شندويلي):
- "ما المحفظة معاك أهي يا جدع، أومال بتقول اتنشلت ليه؟!"
..
أجبته بصوت يملؤه الخجل:
"أصلي متعوّد أحطّ المحفظة في جيب البنطلون اليمين، وأتاريها طلعت في الجيب الشمال"

*****
قصة : أسامة صابر

التسميات:

3 Comments:
قصتك رائعة يا اسامة
واسلوبك سلس جدا
استمر وابدع
وستصير أديبا مهم حتما في يوم من الأيام

Anonymous غير معرف said...
قصه رائعه...بسيطه وسلسه وفيها بسمه جميله...اسلوب الكتابه متمكن يشد الانتباه لأخر كلمه فى القصه
رنا

Anonymous أسامة صابر مصطفى said...
الأستاذ (ماجد إبراهيم) والأستاذ (غير معرف)، كنت أتمنى أن تترك اسمك :)
..

كلماتكم أسعدتني كثيراً، فشكراً لكم..