الخميس، 5 مارس 2009
علاقة المرأة بالحدوتة.. وبصلوا بينا على النبي..!! - نقد

( المرأة و الحدوتة ) هو أحدث كتاب صدر للدكتور خالد أبو الليل ، والذي صدر مؤخرا عن دار العين للنشر، وهو عبارة عن دراسة في الإبداع الحكائى الشعبي للمرأة المصرية ، والكتاب ينطلق من فرضية تقول إن أكثر من 90% من المأثورات الشعبية تحفظها ذاكرة المرأة المصرية التي تميزت بفن الحكي في شتى دول العالم..

والكتاب ينقسم إلى قسمين : الأول عبارة عن دراسة مستفيضة يحلل ، ويشرح فيها مصطلح الحدوتة وموضوعاتها المستمدة من بقايا الديانات ، والأساطير القديمة ، وتناقلها بين الجماعات الشعبية ، ومعظم راوتها من النساء ، وجمهورها من الأطفال الذين تروى لهم في الليل قبل النوم بهدف التسلية ، والتعليم..

أما الجزء الثاني فيستعرض فيه الكاتب الخصائص التي تتميز بها الحدوتة : من الحرص على البدايات التقليدية مثل ( وحد الله – كان ياما كان – صلوا بينا على النبي ..الخ ) والتي تهدف إلى جذب انتباه المستمع ليتفاعل مع أحداث الحدوتة ، وإشعال خياله بالعودة إلى زمان ، ومكان بعيدين عن الواقع المعاش ، والاحتفاء بالعبارات الإيقاعية الجاهزة مثل ( البيت بيت أبونا والغرب يطردونا ، دخلت بنية وخرجت بنية ، ما عرفت يا أبن السلطان تضحك عليا ..الخ ) وبأعداد معينة مثل (ثلاثة أو سبعة أو أربعين ..) فالملك ينجب ثلاثة ذكور يفشل منهما اثنان بينما ينجح الثالث ، أو المرأة في قصة ( على بابا ) التي تواجه الأربعين حرامي ، وقصة (السندباد والسبع بحور) ، وغالبا ما تبدأ الحدوتة من الواقع حيث الاستقرار ، ثم مع تطور الأحداث وتعقدها تبدأ في الابتعاد عن الواقع شيئا فشيء ، والدخول إلى عالم الخيال ، والحكايات الخرافية ، التي عادة ما تكون شخصياتها موزعة ما بين الخير والشر وما بين الإنسان والحيوان ، والجماد ، والجان ، وأحداثها تقع ما بين الأرض وما تحت الأرض ، وبين البر ، والبحر، ثم تتطور الأحداث لتعود بالمستمع مرة أخرى إلى أرض الواقع مع النهاية السعيدة التي عادة ما تختتم بالجملة التقليدية..
(توتة توتة فرغت الحدوتة)

صراع البقاء !

وقد أشتمل الكتاب على خمسين حدوتة شفاهية ، قام الكاتب بتجميعها من لسان صاحباتها من شتى مراكز محافظة الفيوم ، وأرفق بهم بعض صورهن ، وتعريفا بكل واحدة منهن ، وأعمارهن ، وظروفهن الاجتماعية التي انعكست على طريقة حكى كل منهن للحدوتة ، وقد استعرض المؤلف عددا من قضايا المرأة التي طرحت من خلال حكى الحدوتة ، ومدى الاختلاف ما بين كل من الرؤية الأنثوية ، والذكورية ،
ومن هذه القضايا حرية اختيار الزوج ، والصراع ضد السلطة الأسرية ، والتي حاولت الحدوتة الشعبية الانتصار فيها للمرأة ، وحقها في الارتباط بمن تحب ، وخاصة الفتاة الريفية التي كثيرا ما تعانى من رفض الأسرة الزواج ممن اختارته شريكا لحياتها ، وفى أحيان أخرى يفرض عليها الزواج من شخص لا تربطها به سابق معرفة ،
كما يجسد الكاتب أشكالا عديدة من الصراعات منها صراع البنت مع زوجة أبيها الشريرة ، أو مع أبيها الذي يفضل عليها أشقاؤها الذكور، ومحاولة الحواديت التي تروى على لسان النساء إنصاف المرأة ، من خلال التأكيد على رجاحة عقلها ، وكذلك استخدمها في التعبير عن قضاياها ، عارضا بعض النماذج النسائية في موروثنا الشعبي المدون التي استطاعت أن تفرض وجهة نظرها النسائية ، ومنها (الجازية ، سعدة ، خضرة الشريفة ) في قصة أبو زيد الهلالي ،
و(ريا كنموذج للشر ) ، ( ناعسة ، عليا العقيلية ..الخ ) ، في تأكيد أن المرأة حين تكون مسئولة عن نفسها ، فإنها تحسن التصرف في أمورها ، وتكون بالتالي قادرة على حماية نفسها..

والكتاب يهدف بكتابه إلى تصحيح النظرة السلبية السائدة عن المرأة ، من خلال التوقف أمام دور المرأة في حمل هذه المأثورات الشعبية سواء من حيث الرواية ، أو الموضوعات التي تناولتها – على نحو علمي وعملي في آن واحد – حتى تكون أساسا لمعرفة أفضل بالمرأة ، وبأدوارها ووظائفها المتعددة ، على كل المستويات ، بالإضافة إلى التعرف على جوانب الإبداع الفني عندها ، والقيم الجمالية ، والأخلاقية، والسلوكية التي تحملها..

قلم / نهال قاسم

التسميات: