الخميس، 5 مارس 2009
لماذا تدافع مصر «الرسمية» عن الرئيس السوداني عمر البشير؟! - مقال
لقد دخل الرئيس عمر البشير، مصيدة العدالة الدولية، بعد أن أغلق كل أبواب ونوافذ العدالة محلياً.
ليس صحيحاً أن البشير هو أول رئيس يدخل دائرة الملاحقة، من قبل القضاء الدولي ولن يكون الأخير فقد سبقه الرئيس الليبيري «تشارلز تايلور» في مارس 2003، بفعل الجرائم التي ارتكبها بحق 120 ألف شخص أثناء الحرب الأهلية في سيراليون «1991-2001»، كما سبق البشير الرئيس اليوغوسلافي «سلوبودان ميلوسيفتش» وكذلك رئيس صربيا «ميلان ميلوسوفيتش»..

أيدي البشير ونظامه ملوثة بدماء 35 ألف إنسان قتلوا بشكل مباشر بفعل هجمات شنتها قوات البشير وميليشيا «الجنجويد» فضلاً عن تعريض مليونين ونصف المليون لعمليات اغتصاب وتجويع وتنكيل!!

وفقاً للشرع، والقانون، والعقل لا يمكن إبراء ذمة البشير من هذه الدماء المسفوحة، والحقوق المهدورة، بوصفه الحاكم الفعلي، وصاحب السلطة المطلقة، ورئيس الحزب الحاكم، والقائد الأعلى للجيش والشرطة والقضاء.

البشير متهم بأنه حرض ونفذ وبأوامر منه عمليات إبادة لجزء كبير من مجموعات «الفور، والمساليت، والزغاوة» متذرعاً بمكافحة التمرد، بينما الحقيقة كانت أنه يعاتبهم علي موقفهم الرافض لتهميش ولاية دارفور.

أخطر الأسلحة التي استخدمها البشير هو سلاح الثقة في أنه ونظامه فوق القانون والمساءلة فضلاً عن أسلحة التجويع، والتخويف، والاغتصاب، واغتيال الحق في العدالة، بوصفه حراً فيما يملك.

منذ نهاية الحرب العالمية، وما تخلف عنها من جرائم ارتكبها الحكام، بحق شعوبهم، وبحق الإنسانية، باتت قضايا حقوق الإنسان هماً عالمياً، ومسئولية لا يجوز التنصل منها، بدعوى الخصوصية أو السيادة، فلا سيادة لمستبد في ممارسة استبداده علي شعبه، ليكون خصماً وحكماً في آن واحد!!

ويبقي السؤال الذي طرحناه في البداية، عن سر الدفاع عن البشير من قبل السلطات المصرية.

لقد كان البشير منذ أن اعتلي السلطة في السودان في انقلاب عسكري صناعة مصرية 100% إلا أنه أيضاً كان خطأً فادحًا يصل لحد الخطيئة في الحسابات والتقديرات عندما أسفر البشير عن هوية مختلفة عن تلك التي قدرتها بعض الجهات في مصر وساندته في اغتصاب السلطة.

من حقنا أن نغضب لمحاكمة البشير دولياً وإهمال مجرمي الحرب علي غزة، لكن ليس من حقنا أن نلتمس مبررات وأعذاراً للرجل الذي ارتكب كل الجرائم في حق شعبه وحق مصر أيضاً..

ألم يكن البشير هو المتهم الأول في عملية التحريض علي محاولة اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا؟!

ألم يكن هو أول من لوح بمراجعة اتفاقية 1959 الخاصة بتقسيم حصص المياه علي دول الحوض؟!

أليس هو أيضاً أحد أطراف المعسكر الداعي لمزيد من التهميش لدور مصر وهو أيضاً الذي اختار التحاور مع الفصائل السودانية في ليبيا، وأخيراً في قطر مستبعداً دور مصر القديم في الشأن السوداني وخبراتها المتراكمة في هذا الشأن ومصالحها في أن تظل فاعلة في هذه المنطقة؟!

الحديث عن الرفض من حيث المبدأ لما صدر من قرار في شأن محاكمة البشير دولياً يتصادم مع موقف مصر - مثلاً - في قضية المحكمة الدولية لقتلة الحريري!! أم أن دم الحريري أثمن من الدماء التي تلطفت بها أيدي البشير من شعب السودان؟!

بالقطع لا يسعدنا أن نري حاكمًا عربيًا يمثل أمام المحكمة الدولية أو يتم اعتقاله لما يمثله هذا من إهدار لكرامة الحاكم وبلده.. ولكن يبقي القصاص من مجرم عملاً نبيلاً قد يزعج ويربك الحكومات المستبدة.. لكنه يفتح أبواب العدالة الموصدة محلياً وداخلياً ويؤكد دائماً أن دماء وحقوق الشعوب ليست دائماً رخيصة.

أفضل من رفض محاسبة البشير أن نطالب بمحاكمة مجرمي الحرب في غزة والعراق

بقلم دكتور أيمن نور
نقلا عن جريدة الدستور

التسميات: