الأحد، 6 سبتمبر 2009
فانوس كرومبو وبلح هيفاء

يسير الأب في السوق حائراً .. يل متعجبا ومندهشاً محلات كثيرة تعرض فوانيس رمضان لكن أيا منها لا صلة له بشهر رمضان ولا بالشكل الذي اعتدنا عليه.. وبينما لا يزال حائرا تقع عينيه عليه.. نعم هذا هو ما طلبه ابنه.. يسأل عليه وبعد مجادلة في الثمن الباهظ يقتنيه من أجل عيون ابنه ويسير عائدا للمنزل حاملا بين يديه لعبة صغيرة لشخصية المفتش "كورمبو" ومفترض فيها أنها فانوس رمضان..

وهذا أمر طبيعي في زمننا هذا لأن أطفال هذا الزمن لم تعتاد على فوانيسنا النحاسية اللون المصنوعة من الصاج الرقيق فقد ولدوا في عصر صارت فيه الفوانيس ملونة بألوان كثيرة زاهية ومصنوعة من البلاستيك، فلم يعد هناك وجود للفانوس النحاسي ذي الشمعة الذي لم يعتاد على استخدامه أطفال هذا الزمن..

تلك الفوانيس القديمة التي طالما ما "لسعت" أيدينا أثناء إشعالنا شموعها لننيرها ونلعب بها، ولا تكف عيون أمهاتنا عن ملاحقتنا أينما ذهبنا خوفا من الشمعة وسقوطها..

ومثلما يتغير الزمان ونتغير نحن أيضاً، تغيرت تفاصيل الاحتفال.. حتى فوانيسنا أصبحت بلاستيكية ملونة وناطقة والطعام الذي يجب علينا الاقتصاد فيه إعمالا بمبدأ المساواة فيما بيننا أصبحنا نغدق فيه..



حتى أسماءه تغيرت من "البلح الأبريمي" ذلك الذي نفطر علية مع اللبن فلم يعد كذلك بل أصبح يسمى بلح هيفاء أو نانسي وإليسا..وكلا على حسب شكله.. أعنى سعره..

وزمان عندما كنا أطفالاً "مغفلين" كنا نسير في طرقات منازلنا حاملين تلك الفوانيس النحاسية وما إن نسمع صوت مسلسل ألف ليلة وليلة حتى "نرمية" في أي مكان.. ونذهب فورا لمتابعة المسلسل..

أيمكنكم تذكر كم مرة جرحت قدمكم من جراء مشيك علية بعدما تركته هنا دون أن تعي نصائح أهلك بعدم تركة على الأرض حتى لا يجرح قدم أحدكم.

وكم مرة أمسكت بإحدى الأقمشة وظللت طوال الليل تلمع زجاج فانوسك لعل "عفركوش" يظهر لك فتطلب منة طلباتك البريئة أن يجعل أمك توافق على لعب الكرة بالشارع مع أصدقائك ليلا وأن تخرجك معهم ليلة الوقفة.... وان تتخلص من الواجب المدرسي الثقيل.. وربما أن تتخلص من المدرسة نفسها..

وبالله عليك كيف يمكن لطفلنا الآن تلميع الفانوس وكيف سيتمكن من استخدام خيالة لتصور ما سيحدث حين ظهور العفريت..؟؟!!
مسكين هذا الجيل فلم ينعم بخيالنا وكأنة خلق ليرى كل شيء بواقعية مفرطة..

الغريب في الأمر وهو السؤال الذي يشغلني كثيرا هو كيف تم السماح باستيراد تلك الفوانيس الغير المناسبة تماماً لعادتنا وتقاليدنا وما اعتدنا عليه خاصة انه يتم استيرادها من بلاد لا يعرفون شيئاً عن أغانينا الرمضانية أو تراثنا الفني ولا يعرفون قيمة وحلاوة لمتنا في انتظار تعليق الفانوس عند بلكونة المنزل أو بابه..
كيف تم هدم التراث وتشويه الماضي بواقع قبيح.. من الذي تعمد أن يشوه الحس الفني لدى أطفالنا بقبول استيراد هذه المسوخ المسماة فوانيس رمضان.. فصارت أي لعبة لا علاقة لها بشكل الفانوس فانوساً..

ورغم انتشار تلك الفوانيس البلاستيكية "عديمة اللون والطعم والرائحة" إلا أن فوانيسنا القديمة لازالت موجودة في بعض الأماكن وتعلن أنها الأبقى فيمكننا بنظرة على محلات الفوانيس أن نرى عبق التاريخ في الفوانيس الضخمة التي تصنع في مصر من الصاج وصارت تعمل بالكهرباء الآن لكنها تحمل أشكالاً جميلة .. وربما هي مرتفعة الثمن نسبياً..، لكنها تحمل صورة الماضي الجميل ويمكن أن تشعر بها أكثر عندما تراها في مناطق كالسيدة زينب، والحسين، والموسكي وخان الخليلي..

فهناك فقط ستتمكن من تنفس رائحة رمضان ومتابعة شريط ذكريات ماضيك،
هناك فقط ستجد الكنافة اليدوية وستراقب بائع القطائف أثناء عملها..
هناك ستجد للحياة طعم الماضي ورائحة السعادة ستملئ رئتيك..
عسى أن يعود الماضي ليغير سوء الواقع..

قلم \ بسنت صلاح

التسميات:

1 Comments:
Anonymous first_hero said...
الناس بقت معتبراة وسلة للرزق بشتى الطرق وانة موسم ويجب استغلالة ولكن ليس فى الدين
واغلب صناعة الفوانيس الموجودة صينية
لا يعلمون كم ننتمى لتراثنا ولكنها وسلة لكسب الرزق والتجارة



موضوع جميل

ئكرا