الأحد، 6 سبتمبر 2009
رمضان يعلن العصيان



ينساب لهواجسكم بالتأكيد تساؤلات جمة ماذا..؟ وكيف..؟ ولماذا..؟؟ يعلن شهرنا الكريم العصيان والإجابة هنا تحتاج منا العودة بالزمن للوراء وامتطاء جواد أصيل يساعدنا للغور في دهاليز ذكريات أجدادنا التي توارثناها عنهم للتنقيب وإسدال ستار الزمن وغباره عما تركه رمضان من بصمه حفرت بالعقول لا يستطيع الدهر محوها فقد كان رمضان ذا طابع خاص يهل بنفحاته العطرة منذ بزوغ هلاله وتظل ليله لا تنسى فيخرج الأطفال في الشوارع مبتهجين ويهنئ كل فرد الآخر وكأنها ليله عرس فتبدأ كل أسره في التفنن لصنع الزينة وأول وليد للشهر الكريم وهو (فانوس رمضان)
وبالطبع تشرع في التعاون مع الجيران لجعل الشوارع كلوحه فنية متقنة الصنع يسطع منها البهجة والسرور..

وفى أول يوم وقبل الآذان بالتحديد يتجمع الصغار فرحين متظاهرين بالصوم عند المدفع الكبير وينتظرون صوته الذي يعد بمثابة طوق نجاه ليعلن الإفطار ويتجمع الكبار لأداء الصلاة ثم تجتمع الأسرة ويكون لهذا التجمع مذاق خاص لا يدرون مصدره..
وبعد الإفطار يخرج الأطفال حاملون فوانيسهم الخاصة منتظمين في صفوف متناغمة وبأصوات وديعة يرددون الأغاني التراثية للشهر الكريم ويملئون الشوارع بالغناء والصياح واللعب والبراءة في منظر بديع يخطف الأنفاس..
أما حين يحين الليل فتجد أنه يحيط بظلامه هاله من الطمأنينة والهدوء ويتخلله صوت ملائكي يدعو الناس للقيام من سباتهم للاستعداد للسحور وهذا هو الزمن الجميل الذي لقد ولى..
وأكثر ما يميز جماله وحده الأديان فقد كان المسيحي يفرح من قلبه بفرحه أخيه المسلم وكذلك اليهودي وفى كثير من الأحيان كان يدعوه لتكون وجبه الإفطار في بيته ليشاركه بهجته..
أما الآن فقد نحرت الأيدي الخبيثة المشاعر الجميلة بيننا وأصبح رمضان ذا إيقاع سريع لا نلحظ وجوده فقد خفتت البركة وبهت ضوء الطمأنينة واستحال الهدوء لصخب مزعج وأستبدل الأطفال متعتهم الخاصة بالخروج واللعب في الجلوس بالبيت ومتابعه ما تتحفنا به القنوات التلفزيونية من برامج وغيرها مما تجذب الكبار قبل الصغار..
فغاب التجمع وأصبح رمضان غريبا في زمننا وباتت الشوارع مضاءة بزينة براقة ولكنه بريق مزيف ..، فقد أتقن أصحابها مهنة أخرى غير صنعها وحتى فانوس رمضان طالته أيادي غريبة بدلت ملامحه العريقة وأضافت عليه أغاني مستبدة بديله لأغانينا التراثية الأصيلة وذلك لمواكبه العصر(وأسالوا المفتش كرومبو )


فعذرا شهر رمضان..
لقد استبحنا هدوءك وأخفينا ملامحك وسوقناك في درب لا تعلم نهايته..
ورغم ذلك لم تستسلم و أعلنت عصيانك.. فمازلت أرى نور المساجد ساطعاً بحضورك ويشجو سمعي صوت الأذان مهللا بقدومك..
مازال عبق عطرك الخاص يحيط بالصغار المجتمعين عند مدفع إفطارك والسكينة عند كل صلاه تحيط بليلك الصاخب..
مازلنا نشعر بشهرنا الفضيل رغم الرتم السريع الذي صار يصارعه في هذا الزمن..
ولا يزال شهر رمضان يأتينا ويتجلى علينا برحمه بأوله ومغفرة في أوسطه وعتق من النار في نهايته....
والفائز من استغل تلك الفرصة حق الاستغلال..

قلم / مروة الفخرانى

التسميات: